كان يعيش في قرية صغيرة رجل يُدعى أبو قحطان، اشتهر بخِصّته الشديدة التي تجاوزت حدود البخل إلى الغرابة. لم يكن أبو قحطان يبخل بالمال فقط، بل بخِصّته امتدت لتشمل كل شيء : الكلام، الضحك، حتى الطعام! كان منزله متداعياً، وملابسه رثة، ورغم امتلاكه حقلًا صغيرًا ينتج محصولًا وافرًا، إلا أنه كان يعيش على الحد الأدنى، ويُخفي معظم ثروته في جرة فخارية قديمة مدفونة تحت الأرض.
في أحد الأيام، مرّ تاجر ثري بالقرية، وعلم بقصة أبو قحطان. أراد التاجر أن يختبر مدى بخل الرجل، فأوقف حماره أمام منزل أبو قحطان، وطلب منه كأسًا من الماء. نظر أبو قحطان إلى التاجر نظرةً خاطفة، ثم قال بصوتٍ خافت: "ماء؟ هناك نهرٌ قريبٌ، اشرب منه!". حاول التاجر أن يُقنع أبو قحطان، ولكنه رفض بشدة، حتى أنه تردد في إعطاء التاجر القليل من الماء من جرة ماءٍ قديمة كانت موجودة في حديقته، زاعماً أنها "ماءٌ ثمينٌ يحتاجه لنباتاته".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد. ذات مرة، مرضت ابنة أبو قحطان بشدة، واحتاجت إلى دواء باهظ الثمن. بدلاً من أن ينفق المال على علاج ابنته، حاول أبو قحطان علاجها بالأعشاب البرية الرخيصة، مما زاد من سوء حالتها. أخبره الجيران بأنه يجب أن يأخذها إلى الطبيب، لكن أبو قحطان رفض مُصرًّا على أن الدواء مكلف جدًا.
في النهاية، توفت ابنة أبو قحطان. حزن أبو قحطان حزنًا شديدًا، ولكن حزنه لم يَدفعه إلى التغيير. استمرّ في بخله، حتى أنه دفن ابنته في قبرٍ بسيطٍ جدًا، مُدّعياً أنّه لا يريد إضاعة المال على مراسم دفنٍ باهظة.
بعد وفاة ابنته، شعر أبو قحطان بِوحدةٍ قاتلة. فبخله لم يُكسبه شيئًا، بل خسر علاقاته مع الناس، وخسر أهمّ ما في حياته: ابنته. استمرّ أبو قحطان في حياته المُعذبة، حتى توفي وحيداً، دون أن يدرك أنّ الثروة الحقيقية لا تكمن في المال، بل في المحبة والعطاء. بقيّت جرة المال المدفونة تحت الأرض شاهدة على قصة الرجل الذي دفن سعادته بيديه، ليُصبح رمزاً للبخل والندم مدى الحياة.
التعليقات
اضافة تعليق جديد
| الإسم |
|
| البريد ( غير الزامي ) |
|
|
|
|
|
|
| لم يتم العثور على تعليقات بعد |