تُظهر حياة العرب في العصر الجاهلي، رغم ما يُعرف عنها من وحشية في بعض جوانبها، مظاهرَ عقلية متنوعة، بعضها متقدم وبعضها متأخر مقارنةً بالمعايير الحديثة. يمكن تصنيف هذه المظاهر إلى عدة جوانب :
أولاً: الجوانب الإيجابية:
* الشعر والفصاحة:
برزت قدرة العرب على التعبير الفصيح من خلال الشعر، الذي لم يكن مجرد تسلية، بل وسيلة للتعبير عن المشاعر، وحفظ التاريخ، ونقل الأخبار، وحتى حماية النفس. كان الشعر وسيلة للتنافس الفكري والشعري، مما حفز النبوغ الفكري واللفظي. يُعدّ الحفاظ على اللغة العربية الفصيحة إنجازاً ذهنياً كبيراً.
* المعرفة القبلية المتوارثة:
ورث العرب قدراً من المعرفة المتعلقة بالفلك، والأنساب، والأحكام القبلية، وقصص الأجداد. هذه المعرفة، رغم اختلاف دقّتها العلمية، تُظهر قدرة على الحفظ والتدوين الشفوي، والتنظيم الاجتماعي القائم على العادات والتقاليد.
* الحكمة والأمثال:
تحتوي الحكمة والأمثال العربية الجاهلية على قدر كبير من الفطنة والخبرة الحياتية، وتُجسّد نظرة عميقة للبشر والطبيعة. تُعدّ هذه الأمثال تعبيراً عن عقلية تحليلية للواقع.
* القدرة على التجارة والتنقل:
كانت التجارة من أهم مظاهر الحياة الاقتصادية في الجاهلية، مما يُظهر قدرة العرب على إدارة المعاملات التجارية، والتنقل لمسافات طويلة، وتعلم اللغات الأجنبية، والقدرة على التكيف مع بيئات مختلفة. هذا دليل على مرونة عقلية وذكاء عملي.
ثانياً: الجوانب السلبية أو المُحددة:
* الجهل بالعلوم:
كان للعرب في الجاهلية معرفة محدودة بالعلوم مثل الطب، والرياضيات، والفلك بالمقارنة بالعلوم اليونانية أو الهندية. كان فهمهم للعالم مُحددًا بتجاربهم المباشرة ورواياتهم المتوارثة.
* القبيلة كإطار فكري:
كانت القبلية هي الإطار الرئيسي للحياة الاجتماعية والسياسية في الجاهلية، مما حدّ من التفكير الفردي وحرية الرأي، وجعله مُرتبطاً بمصالح القبيلة. كان الولاء القبلي أكثر أهمية من الولاء للدولة أو للمبادئ الفكرية.
* العبودية:
انتشار العبودية يُظهر انعدامًا للتفكير الإنساني في بعض جوانب حياة الجاهلية.
* النزاعات القبلية:
الحروب والنزاعات بين القبائل كانت سمة بارزة في العصر الجاهلي، مما يُشير إلى غياب آليات سليمة لحلّ النزاعات والتفكير في الحلول السلمية.
خاتمة:
إنّ دراسة المظاهر العقلية في العصر الجاهلي تتطلب نظرة مُحايدة تُقدر الإيجابيات وتُفهم السلبيات في سياقها التاريخي. كان للعرب في الجاهلية إنجازاتٌ عقليةٌ مُعبرة عن قدراتهم الفكرية، إلاّ أنَّ حدود هذه الإنجازات تُحددها العوامل الاجتماعية والثقافية السائدة في ذلك الزمن. لا يمكن الحكم على العصر الجاهلي بمقياس العصر الحديث، بل يجب فهمه في سياقه الخاص.
التعليقات
اضافة تعليق جديد
| الإسم |
|
| البريد ( غير الزامي ) |
|
|
|
|
|
|
| لم يتم العثور على تعليقات بعد |