تُعدّ التورية من الأساليب البلاغية الجميلة والفعّالة التي استخدمها القرآن الكريم بكثرة. فهي عبارة عن استخدام كلمة أو جملة تحمل معنيين أو أكثر في آن واحد، بحيث يتناسب كل معنى مع سياقه، ويُضيف عمقاً ودلالة إضافية للنص. وتُضفي التورية على الكلام جمالاً وبلاغةً، وتُبرز إبداع الله في اختيار الكلمات وتوظيفها.

تتنوع أشكال التورية في القرآن الكريم، ومن أبرزها :

*

التورية اللفظية:

استخدام كلمة واحدة تحمل معنيين مختلفين، ويتضح المعنى المراد من السياق. مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ (الشعراء: 80). هنا كلمة "يشفين" تحمل معنى الشفاء من المرض، ومعنى الشفاء من الذنوب، ويتضح المعنى المقصود من السياق.

*

التورية المعنوية:

استخدام جملة أو عبارة تحمل معنيين مختلفين، يتعلقان بموضوعين مختلفين، لكنهما مرتبطان ببعضهما البعض من خلال دلالة مشتركة. مثال على ذلك: استخدام كلمة "الظلمات" في أكثر من آية، فتعني أحياناً الظلمة الحقيقية (الليل مثلاً)، وأحياناً الظلمة المعنوية (الجاهلية والضلال).

*

التورية السياقية:

تعتمد هذه التورية على السياق الكلي للآية أو السورة، حيث تحمل الكلمة أو العبارة معنى مختلفاً حسب السياق.

أمثلة أخرى على التورية في القرآن:

* استخدام كلمة "الرحمن" التي تحمل معنى الرحمة الواسعة والغفران، وتُشير أيضاً إلى اسم من أسماء الله الحسنى.

* استخدام كلمة "الكتاب" التي تُشير إلى القرآن الكريم، وتُشير أيضاً إلى الكتب السماوية الأخرى.

أهمية التورية في القرآن:

*

إثراء المعنى:

تُضيف التورية عمقاً ومعاني جديدةً للنص القرآني، فتفتح آفاقاً واسعةً للتأويل والفهم.

*

الجمال البلاغي:

تُضفي التورية جمالاً وبلاغةً على النص، وتُبرز براعة القرآن الكريم في استخدام اللغة العربية.

*

الترابط بين الآيات:

تساعد التورية على ربط الآيات ببعضها البعض، وتُظهر الترابط بين المواضيع المختلفة.

*

التشويق والغموض:

في بعض الأحيان، تُستخدم التورية لإضافة عنصر من التشويق والغموض، مما يدفع القارئ إلى التفكير والتأمل.


يجب التنويه إلى أن فهم التورية في القرآن الكريم يتطلب درايةً عميقةً باللغة العربية وبمختلف علوم القرآن الكريم، وأن التفسير الصحيح للتورية يعتمد على سياق الآية والسورة وعلى فهم المراد من استخدامها. ولا يجوز الاجتهاد في فهمها بعيداً عن منهج أهل العلم.