تُعتبر المكتبات من أقدم المؤسسات الثقافية في التاريخ البشري، وتعود نشأتها إلى عصورٍ سابقةٍ بكثير مما نتصوره. لم يكن هناك "مكتبة" بالمعنى الحديث، بل تطور مفهومها تدريجيًا عبر مراحل متعددة :

المراحل الأولى (قبل الكتابة):

*

الحفظ الشفوي:

قبل اختراع الكتابة، كانت المعرفة تُحفظ وتُنقل شفوياً عبر الأجيال. دور الكهنة والشعراء والحكماء كان حاسماً في هذا المجال، حيث كانوا بمثابة "مكتبات بشرية" تُحفظ فيها المعلومات الهامة.

*

اللوحات والنقوش:

مع ظهور الكتابة، بدأت الحاجة إلى تسجيل المعلومات بشكل دائم. استُخدمت أشكال مختلفة من المواد كالأحجار والطين والخشب لرسم وكتابة النقوش واللوحات التي احتوت على قوانين، أساطير، وقصص. يمكن اعتبار هذه النقوش بمثابة "مكتبات بدائية". أمثلة على ذلك: نقوش المصريين القدماء، والكتابات المسمارية في بلاد ما بين النهرين.

المراحل المتقدمة:

*

مكتبات الحضارات القديمة:

ظهرت المكتبات المنظمة نسبياً في العديد من الحضارات القديمة، كحضارة بلاد ما بين النهرين ومصر القديمة واليونان القديمة والرومان. لم تكن هذه المكتبات كالمكتبات الحديثة من حيث التصميم، ولكنها احتوت على مجموعات من النصوص واللوحات المنظمة. أبرز الأمثلة:

*

مكتبة آشوربانيبال:

في نينوى، واحدة من أقدم وأكبر المكتبات في العالم القديم.
*

مكتبات الإسكندرية:

في مصر، كانت مركزًا هامًا للتعليم والبحث، ويُعتقد أنها كانت تضمّ مئات الآلاف من المخطوطات.
*

مكتبات بيروت:

في العصر الروماني، شهدت ازدهاراً في مجال التعليم والمكتبات.


*

مكتبات العصور الوسطى:

انتقلت المكتبات إلى الأديرة والكنائس في العصور الوسطى، حيث كانت تُحفظ فيها المخطوطات الدينية والعلمية النادرة. أصبحت هذه الأديرة مراكز هامة للنسخ والمحافظة على الكتب.

*

مكتبات عصر النهضة:

مع عصر النهضة، شهدت المكتبات تطوراً ملحوظاً. بدأت الجامعات والمؤسسات التعليمية في إنشاء مكتبات عامة، و ازداد الاهتمام بتجميع الكتب ونشرها.

*

مكتبات العصر الحديث:

مع اختراع الطباعة، ازدادت كمية الكتب بشكل هائل، و تطورت المكتبات بشكل كبير لتشمل تقنيات حديثة وتصاميم معمارية متطورة. ظهرت المكتبات العامة، والمكتبات المتخصصة، ومكتبات الجامعات، ومكتبات الأرشيف. وفي العصر الرقمي، تواجه المكتبات تحديات جديدة، وتتطور لتشمل الموارد الإلكترونية والخدمات الرقمية.


باختصار، تاريخ المكتبات هو تاريخ تراكم المعرفة وتطورها. من الحفظ الشفوي إلى الموارد الرقمية، ظلت المكتبات ركيزة أساسية في الحضارة الإنسانية، وتواصل لعب دورها الحيوي في نشر المعرفة والثقافة.