منهج الأنثروبولوجيا الثقافية هو منهج متعدد الأوجه يعتمد على عدة أساليب لجمع وتحليل البيانات لفهم الثقافات البشرية. لا يوجد منهج واحد ثابت، بل تتنوع الأساليب المستخدمة حسب موضوع البحث والباحث نفسه، إلا أن بعض المبادئ الأساسية تجمعها :
1. العمل الميداني (Fieldwork):
العنصر الأساسي في الأنثروبولوجيا الثقافية. يتطلب هذا المنهج قضاء وقت طويل (أشهر، أو حتى سنوات) في المجتمع الذي يُدرس، للملاحظة المباشرة والمشاركة في حياة أفراده. يشمل ذلك:
*
الملاحظة المشاركة (Participant Observation): مشاركة الباحث في أنشطة المجتمع اليومية، ملاحظًا سلوكياتهم وتفاعلاتهم، وتسجيل ملاحظاته بدقة. هذا لا يعني فقط مشاهدة، بل المشاركة الفعّالة قدر الإمكان مع احترام حدود أخلاقيات البحث.
*
المقابلات (Interviews): إجراء مقابلات مع أفراد المجتمع لفهم معتقداتهم، وقيمهم، وتجاربهم الشخصية، وآرائهم حول مواضيع معينة. تختلف أنواع المقابلات من مقابلات مفتوحة وغير منظمة إلى مقابلات منظمة بأسئلة محددة مسبقًا.
*
جمع البيانات الأخرى: قد يستخدم الباحث أساليب أخرى مثل تحليل النصوص (مثل القصص، الأساطير، الوثائق)، دراسة الصور، الفيديوهات، المقتنيات المادية، الخ.
2. دراسة شاملة (Holistic Approach):
يسعى الأنثروبولوجيون الثقافيون إلى فهم الثقافة ككل متكامل، لا كعناصر منفصلة. لذلك، يُنظر إلى مختلف جوانب الحياة الاجتماعية (الاقتصاد، السياسة، الدين، العائلة، الفن، الخ) كمترابطة ومتأثرة ببعضها البعض.
3. المقارنة الثقافية (Cross-cultural Comparison): يُقارن الأنثروبولوجيون الثقافيون بين ثقافات مختلفة لفهم تنوع البشرية وتحديد أنماط مشتركة أو اختلافات أساسية. يُستخدم هذا المقارنة لتكوين فرضيات حول التطور الثقافي والتأثيرات المختلفة على الثقافات.
4. النسبية الثقافية (Cultural Relativism):
يدعو هذا المبدأ إلى فهم الثقافات من منظورها الداخلي، دون الحكم عليها بناءً على معايير ثقافة الباحث. يُحاول الباحث فهم المعاني و القيم داخل سياقها الثقافي الخاص. لكن هذا لا يعني قبول جميع الممارسات الثقافية، بل يتطلب فهمها قبل الحكم عليها.
5. التفسير الرمزي (Symbolic Interpretation): تركّز الأنثروبولوجيا الثقافية الحديثة على فهم رموز وثقافات الشعوب المختلفة. لأن الثقافات ليست مجرد مجموعة من القواعد والسلوكيات، بل هي أنظمة رمزية تعبر عن قيم ومعتقدات أفرادها من خلال السلوك واللغة والرموز الثقافية.
بعض النقاط الهامة:
*
أخلاقيات البحث: يجب على الباحثين الحفاظ على أخلاقيات البحث باحترام خصوصية أفراد المجتمع الذي يُدرسه و حماية مصالحهم.
*
التحيز: يجب أن يدرك الباحث تحيزاته الشخصية ويحاول تقليله قدر الإمكان.
*
الشمولية والتعميم: من المهم الحذر من تعميم النتائج على جميع أفراد المجتمع أو الثقافات الأخرى.
باختصار، منهج الأنثروبولوجيا الثقافية هو منهج نوعي يعتمد على العمل الميداني، والدراسة الشاملة، والمقارنة، النسبية، و التفسير الرمزي لفهم الثقافات البشرية بتنوعها وغناها.
التعليقات
اضافة تعليق جديد
| الإسم |
|
| البريد ( غير الزامي ) |
|
|
|
|
|
|
| لم يتم العثور على تعليقات بعد |