لعب العصر الأموي دوراً حاسماً في تطوّر شعر النقائض، حيث شهد ازدهاراً ملحوظاً لهذا النوع الشعري. لكن ليس بمفهوم النقائض على أنها مبارزة شعرية حادة كما قد نتصورها في بعض الأحيان، بل بمعنى مقارنة بين شاعرين أو أكثر، أو تقديم وجهتي نظر متناقضتين ضمن قصيدة واحدة.

هناك عدة عوامل ساهمت في هذا الازدهار :

*

الحياة السياسية والاجتماعية:

كانت الحياة السياسية في العصر الأموي غنية بالأحداث، مليئة بالتنافس على السلطة والمناصب، ما خلق بيئة خصبة لمقارنات شعرية تعبر عن هذه التنافسات بطريقة غير مباشرة. فالشعراء كانوا يمدحون الأمراء ويتغزلون بهم، وفي المقابل قد يلمّحون إلى عيوبهم أو ينتقصون من منافسين لهم بطريقة رمزية عبر النقائض.

*

رعاية الخلفاء:

قدّم الخلفاء الأمويون رعاية كبيرة للشعراء، وقد شجعت هذه الرعاية التنافس بينهم، مما دفعهم إلى إبراز مهاراتهم في صياغة النقائض بأشكالها المختلفة.

*

تطور اللغة العربية:

بلغت اللغة العربية في العصر الأموي ذروة نضجها من حيث البلاغة والفصاحة، ما أتاح للشعراء إمكانية التعبير عن أفكارهم ومقارناتهم بأسلوب دقيق ومؤثر.

*

شخصيات شعراء بارزين:

برز في العصر الأموي شعراء كبار اتسم شعرهم بالتناص والإشارة إلى شعراء آخرين، مما يُعد نوعاً من النقائض أو المقارنة الشعرية. ويمكن ذكر أمثلة مثل:

*

الفرزدق:

معروف بمناجاته الشعرية الحادة مع جرير، والتي تُعد من أشهر الأمثلة على شعر النقائض. لم تكن هذه المناجات مجرد مبارزة بل كانت تعكس الخلافات السياسية والشخصية بينهما.

*

جرير:

شاعر منافس للفرزدق، عُرف ببراعته في الرد على هجاء الفرزدق وإبداء مواقف متناقضة أحياناً مع مواقفه.

*

الأخطل:

يُعتبر من أبرز شعراء المدح في العصر الأموي، لكن قصائده تحتوي على مقارنات دقيقة بين أبطال الحروب والأشخاص المختلفين.

لكن يجب التنبيه إلى أن مفهوم "النقائض" في العصر الأموي أكثر شمولية من المفهوم الحديث للمناظرات الشعرية الحادة فقط. فقد كانت تشمل أي مقارنة أو تناقض ضمن القصيدة أو بين قصائد شعراء مختلفين.

باختصار، شهد العصر الأموي ازدهاراً في فنّ النقائض بأشكاله المتنوعة، متأثراً بالظروف السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة في ذلك العصر، و بفضل براعة شعراء كبار أثروا الحياة الشعرية بإبداعاتهم اللافتة.