شهد العصر العباسي ازدهارًا كبيرًا في الشعر الاجتماعي، الذي انعكس فيه الواقع المعاش للمجتمع بصورٍ متنوعة، متجاوزًا بذلك الشعر الحماسي والغزلي الذي كان سائدًا في العصرين الجاهلي والأموي. وتنوعت موضوعاته بحسب طبقات المجتمع وقضاياه، ويمكن تصنيفه على النحو التالي :

1. شعر يصور حياة البادية والبدو:

لم يختفِ الشعر البدوي تمامًا مع ظهور المدنية، بل استمر، لكنه انعكس فيه تحول البادية من كونها مجتمعًا مستقلاً إلى جزء من إمبراطورية واسعة. ظهرت قصائد تصف حياة البدو الرحل، صعوباتهم، كرمهم، ونزاعاتهم القبلية، لكن مع لمسة من الواقعية الجديدة التي عكست تأثير الدولة والمدنية عليهم. أمثلة على شعراء هذا النوع: أبو نواس (في بعض قصائده) وبعض الشعراء الذين لحنوا أشعارًا تغنى بها البدو.

2. شعر يصور حياة المدينة:

مع ازدهار المدن، ظهر شعر يصف حياة أهل المدن، ثرائهم وفقرهم، ترفهم ومعاناتهم، منافساتهم، وتناقضاتهم. صوّر الشعراء الحياة في الأسواق والحمامات والخانات، ووصفوا مختلف طبقات المجتمع من الأغنياء والفقراء، والعمال والحرفيين، والعلماء والتجار. برزت هنا قصائد السخرية والهجاء الاجتماعي، وكانت وسيلة للتعبير عن مشاعر الشعراء تجاه الظلم والفساد والترف. أمثلة على الشعراء الذين تناولوا هذا الجانب: أبو نواس، الفرزدق (في بعض قصائده)، والمعري (بشكل مختلف).

3. شعر يصور الحياة السياسية:

لم يقتصر الشعر الاجتماعي على وصف الحياة اليومية، بل تجاوز ذلك ليشمل الجوانب السياسية. فقد عكس بعض الشعراء موقفهم من الخلفاء والوزراء، وأبدوا انتقادهم للظلم والفساد والاستبداد. وقد استخدموا الهجاء والمدح كأدوات لتعبير عن آرائهم، مع الأخذ في الاعتبار الخطورة المحتملة لمواجهة الحكام بصراحة تامة. أمثلة على هذا النوع: أبو العلاء المعري (بأسلوبه النقدي اللاذع)، ومع ذلك تجنبوا الهجوم المباشر خشية العواقب.

4. شعر يصور مظاهر الحياة الثقافية:

عكس الشعر الاجتماعي أيضاً الازدهار الثقافي في العصر العباسي، من خلال وصف المدارس والجامعات والأندية الأدبية، والتفاعل بين الشعراء والعلماء والفلاسفة. بعض الشعراء وصفوا مناظرات العلماء ونقاشاتهم، مبينين حرية الفكر والتعبير الموجودة، حتى وإن كانت ضمن حدود.

5. شعر يهتم بالفقر والظلم الاجتماعي:

لم يتجاهل الشعراء المعاناة الاجتماعية والظلم والفقر، وقد صوّر بعضهم حياة الفقراء ومعاناتهم بطريقة مؤثرة، مستهجنين الظلم والفساد الذي يُلحقه بهم.

خصائص الشعر الاجتماعي في العصر العباسي:

*

الواقعية:

ميل نحو الواقعية في تصوير المجتمع وعاداته وتقاليده.
*

التنوع المواضيعي:

تنوع موضوعات الشعر لتشمل جوانب متعددة من حياة المجتمع.
*

استخدام اللغة السلسة:

استخدام لغة سهلة ومفهومة للوصول إلى أوسع شريحة من القراء والسامعين.
*

الاستعانة بالصور البلاغية:

استخدام الصور البلاغية والمجازات لتزيين الشعر وتوضيح المعنى.
*

المدح والهجاء:

استخدام المدح والهجاء كأدوات لتعبير عن الآراء والمواقف السياسية والاجتماعية.


باختصار، الشعر الاجتماعي في العصر العباسي يُعد مرآة تعكس واقع المجتمع بتفاصيله وتناقضاته، مُبرزًا دور الشعر كوسيلة للتعبير عن الآراء والأحاسيس والهموم المجتمعية في عصر شهد ازدهارًا ثقافيًا واقتصاديًا واسعًا، إلى جانب المشكلات الاجتماعية والسياسية التي رافقته.