## حكم عن الوعد : أمانةٌ و ثقةٌ و أساسٌ للمجتمع

الوعود ركنٌ أساسيٌّ في بناء العلاقات الإنسانية السليمة، فهي تُشكل جسراً من الثقة بين الأفراد والجماعات، وعماداً للمعاملات الصادقة. ولكن للوعود قواعدٌ وأحكامٌ يجب مراعاتها، فليس كل وعدٍ صحيحاً أو مُلزمًا، وليس كل نقضٍ للوعدٍ مُداناً. وتتجلى أهمية هذا الموضوع في حكمةٍ منتشرةٍ عبر الزمان والمكان، فقد حثّت الشرائع السماوية والأخلاقيات الإنسانية على الوفاء بالعهود، وأنذرت من خطورة الخلف عنها.

أولاً: أهمية الوفاء بالوعد:

الوفاء بالوعد من أسمى الأخلاق، وهو دليلٌ على الصدق والأمانة، ويُعزز الثقة بين الناس. فالمُتّصف بهذه الصفة يُحظى باحترام وتقدير الآخرين، ويُصبح شخصاً يُعتمد عليه في مختلف جوانب الحياة. إنّ بناء مجتمعٍ قويٍّ وعادلٍ يعتمد بشكلٍ كبير على التزام الأفراد بوعودهم، سواء أكانت صغيرةً أم كبيرة. فإذا فقدت الثقة في الوعود، انهارت دعائم التعاون والتكاتف، وسادَ الفوضى والانحلال. كما أن الوفاء بالوعد يُنمي الشعور بالمسؤولية، ويُحسّن من صورة الفرد في المجتمع.

ثانياً: شروط صحة الوعد:

ليكون الوعد صحيحاً وملزماً، يجب توافر بعض الشروط، منها:

*

القدرة على الوفاء:

لا يُعتبر الوعد صحيحاً إذا كان المُعِدّ يعلم باستحالته أو صعوبته الشديدة.
*

النية الصادقة:

يجب أن يكون الوعد صادراً عن نيةٍ صادقةٍ ورغبةٍ حقيقيةٍ في الوفاء به.
*

الرضا والتراضي:

يجب أن يكون الوعد مُتراضياً عليه من قبل الطرفين، وليس مُجبراً أو مُكرهًا.
*

الوضوح والدقة:

يجب أن يكون الوعد واضحاً ودقيقاً، خالياً من أي لبس أو غموض.

ثالثاً: أحكام نقض الوعد:

ليس كل نقضٍ للوعدٍ مُدانًا، فقد تكون هناك أسبابٌ مُبررةٌ تُجيز ذلك، مثل:

*

الضرورة:

إذا كان الوفاء بالوعد سيؤدي إلى ضررٍ كبيرٍ للمُعِدّ أو لغيره.
*

التغيّر في الظروف:

إذا طرأت ظروفٌ جديدةٌ مُستجدّةٌ تجعل الوفاء بالوعد مستحيلاً أو مُضراً.

ومع ذلك، يجب على من ينقض وعده أن يتّبع أسلوباً مُناسباً، وأن يوضح أسباب نقضه بطريقةٍ مُقنعةٍ، وأن يُقدم الاعتذار للطرف الآخر.

خاتمة:

في الختام، يُمكن القول إنّ الوعد من أهمّ الركائز التي تُبنى عليها العلاقات الإنسانية السليمة. الوفاء به يُعزز الثقة، ويُنمي روح التعاون، بينما نقضه يُضعف العلاقات ويثير الشكوك. ولذلك، يجب على كل فرد أن يُدرك أهمية الوعود، وأن يُحرص على الوفاء بها، إلا في الحالات الاستثنائية التي تُبرر نقضها بحسب مبادئ العدل والإنصاف. فالثقة هي رأس المال الحقيقي في الحياة، والوفاء بالوعد هو أفضل طريق لبناء هذه الثقة وحفظها.