في أحد الأيام الحارة من أيام المدينة المنورة، طرق رجلٌ بابَ بيت النبي ﷺ. كان الرجلُ ضعيفًا، يبدو عليه التعبُ والجوعُ. لم يكن يحمل معه شيئًا سوى ثيابه البالية. دخل الرجلُ خجلاً مترددًا، فوجد النبي ﷺ جالسًا مع أصحابه، يُخبرهم بقصصٍ من رحمته الواسعة.

أشار النبي ﷺ للرجلِ بالجلوس، فجلس الرجلُ متخشعًا. لم يتكلم الرجلُ كلمةً، فأدرك النبي ﷺ حاجته دون أن يسأله. نادى النبي ﷺ على إحدى زوجاته، وسألها عن الطعام. أخبرته أنها لا تملك سوى تمرٍ قليلٍ وخبزٍ يابسٍ.

أمر النبي ﷺ بإحضار ما لديهم، ووضع الطعام أمام الرجل. أكل الرجلُ بشهيةٍ، ثم رفع رأسه ليشكر النبي ﷺ على كرمه. لكن النبي ﷺ قاطعه، مُتواضعًا كما عهده أصحابه : "يا أخي، هذا قليلٌ جدًّا، لكننا لا نملك أكثر من هذا الآن. لولا ضيقُ حالنا، لأطعمناكِ أفضلَ من هذا بكثير".

ثمّ قام النبي ﷺ من مجلسه، وخرج ليبحث عن طعامٍ آخر للرجل. لم يمض وقتٌ طويل حتى عاد، يُحملُ وعاءً من اللبنِ، مُبتسمًا بوجهه الشريف. قال للرجلِ: "هذا من جارنا، وقد أعطاني هذا اللبنَ لك."

تناول الرجلُ اللبنَ بامتنانٍ، ثمّ ودّع النبي ﷺ وهو يشعرُ بأكثر من مجرد شبعٍ للجوع. لقد شعرُ بامتلاءِ قلبهِ بجمالِ كرم النبي ﷺ وإنسانيتهِ الفائقة. لقد أعطاه النبي ﷺ أكثر من مجرد طعامٍ، لقد أعطاه الأمانَ والحبَّ والكرامةَ.

انتشر خبر كرم النبي ﷺ مع هذا الرجلِ في المدينة المنورة، مُذكِّرًا الناسَ بأهميةِ العطفِ على الفقراءِ والمحتاجين، وبأنَّ الكرمَ ليسَ مُجردَ إعطاءٍ للمالِ والطعام، بل هوَ عطاءٌ من القلبِ والروحِ. وتلك هي قصةٌ واحدةٌ من قصصٍ لا تُحصى تُظهرُ عظمةَ كرم رسول الله ﷺ.