## عمرو بن العاص : من عدوّ لدود إلى قائد مُلهم

عمرو بن العاص بن وائل بن هبيرة بن عبد مناف بن زهرة القرشي، شخصية تاريخية بارزة في صدر الإسلام، اشتهر بدهائه السياسي وبراعته العسكرية، لكن مسيرته حافلة بالتناقضات، إذ انتقل من كونه عدواً مُتمرداً على الإسلام إلى واحد من أهم قواده وأعمدة دولته.

حياته قبل الإسلام:

ولد عمرو بن العاص قبل البعثة النبوية بمدة ليست ببعيدة، وترعرع في بيئة قرشية تُعرف بتجارتها وقوتها. كان شاعراً بليغاً، بارعاً في الخطابة، وله مكانة اجتماعية مرموقة. اشتهر بذكائه وحنكته السياسية، لكنه في نفس الوقت كان معروفاً بمكرِه ودهائه، حتى وصفه البعض بأنه "أكثر الناس مكرًا". عارض الإسلام في بداياته، وكان من أشدّ مُعارِضيه، وشارك في معارك ضد المسلمين، وكان له دور بارز في معركة بدر، إلا أنه لم يُشارك فيها بنفسه.

إسلامه:

تختلف الروايات حول ظروف إسلامه، إلا أن الأرجح أنه أسلم في السنة السادسة للهجرة، بعد أن اطّلع على قوة الإسلام وشمول رسالته. يُروى أنّه قبل إسلامه راسل ملك الفرس خسرو بارويز، لكن بعد إسلامه كرس كل جهده لخدمة الإسلام والدولة الإسلامية. ويُعتقد أن دوافعه للإسلام تجاوزت مجرد الإيمان، حيث رأى في الإسلام قوةً قادرةً على توحيد العرب تحت راية واحدة، وأنّها الفرصة لتحقيق طموحاته السياسية.

دوره في الفتوحات الإسلامية:

بعد إسلامه، أصبح عمرو بن العاص من أهمّ القادة العسكريين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وبرزت عبقريته العسكرية في الفتوحات الإسلامية، حيث تولّى قيادة الفتح في مصر عام 18هـ/639م، وبدأت رحلته من فلسطين إلى مصر، فتح مدينة بلس (بلبيس) في مصر ودارت بينه وبين جيش الروم معارك شديدة، ثم فتح مدينة إيليوليس (العريش)، وانتصر على الرومان في معركة بيلا، ثم استطاع فتح مصر وبدأ بتأسيس مدينة الفسطاط. استخدم عمرو بن العاص الحكمة والدهاء في فتح مصر، كما أظهر براعةً تنظيميةً في إدارة البلاد بعد فتحها، وبنى مصر الجديدة (الفُسطاط)، وحكمها بحكمة، و أرسى دعائم الدولة الإسلامية بها. لم يقتصر دوره على الفتوحات العسكرية بل امتدّ إلى إدارة البلاد وتنظيمها، فقد اهتمّ بالزراعة والري وتنظيم الشؤون الإدارية.

أهم صفاته:

*

الذكاء والدهاء:

كان يتمتع بذكاء حادّ ودهاء سياسيّ، استخدمهما ببراعة في معاركه السياسية والعسكرية.
*

البراعة العسكرية:

أثبت كفاءته العسكرية في العديد من المعارك، وكان قائداً استراتيجياً بارعاً.
*

القدرة على الإدارة:

برهن على كفاءته في إدارة البلاد بعد فتحها، واهتمّ بتنظيم شؤونها المختلفة.
*

السياسة والحنكة:

كان ماهراً في إدارة العلاقات السياسية، وقادراً على التفاوض والحوار.

خلاصة:

عمرو بن العاص شخصية مثيرة للجدل، فمن معارض عنيد للإسلام إلى قائد عسكريّ بارع، ومُدير دولة ماهر. تجسّد حياته رحلة تحوّلٍ فريدة، وتُبرز أهميّة الدهاء السياسيّ والبراعة العسكرية في صنع التاريخ، لكن يبقى تقييم دوره وتفسير دوافعه محلّ نقاشٍ بين المؤرخين. يبقى إرثه كواحد من أهمّ قادة الفتوحات الإسلامية، ومعمارِ مصر الإسلامية، خالداً في التاريخ.